خُطب الزعماء د- خالد منتصر
خُطب
الزعماء كانت على الدوام قطعاً بليغة من الأدب الرفيع، لن أتحدث عن تشرشل
أو ديجول أو لينين أو جيفارا أو مانديلا أو غاندى أو حتى أوباما، الذين
تُدرّس خطاباتهم فى المدارس كوسيلة للارتقاء باللغة ولتعليم التلاميذ كيف
يكتبون عباراتهم بشياكة و
قوة وسلاسة وجمال
ورقى، ولكنى أتحدث عن خطب مصطفى كامل وسعد زغلول ومكرم عبيد والنحاس
وعبدالناصر حين كانت العبارة ذكية رشيقة بليغة، تذكرت كل هذا التاريخ من
خطابة الزعماء وأنا أستمع إلى الخطاب الصادم الذى ألقاه الرئيس محمد مرسى
والذى يعشق الخطابة بشكل لافت للنظر لدرجة أنه قد كسر الرقم القياسى لأى
رئيس دولة فى عدد ومدة الخطب، لن أناقش محتواه السياسى برغم تحفظاتى
الكثيرة على هذا المحتوى الضبابى، ولن أناقش مغزى المكان الذى ألقى منه
الخطاب والذى يعنى تحيزاً واضحاً يشق الصف الوطنى والذى كان من الممكن
استبداله بالتليفزيون الرسمى، ولكنى سأناقش لغة الخطاب التى افتقرت إلى أى
بلاغة، لغة جافة خشنة غليظة، لغة متربصة لها دلالات قمعية أتركها لعلماء
تحليل الخطاب السياسى، مفردات عجيبة وغريبة وتركيبات مدهشة ومزعجة من عينة
«حاكشف الغطا وحاشيل الغطا وإذا كانوا فاكرين إنهم حيستخبوا فى حارة مزنوقة
ويعملوا حاجات مش كويسة...» إلى آخر هذا القاموس الذى من الممكن تمريره
وتبريره إذا كان حديثاً عابراً فى مقهى شعبى أو مسمط بلدى، مقام الرئاسة
ولغة الرئاسة أكبر من هذه المفردات، لا أريد للرئيس أن يكون فى بلاغة
المنفلوطى أو طه حسين ولكنى أريد منه فقط أن يحافظ على تراث سعد زغلول أو
حتى تراث أبيه الروحى حسن البنا، فلا يكفى أن تقول الحق أبلج والباطل لجلج
لكى تعادل وتوازن بلاغة الحارة المزنوقة والحاجات الوحشة اللى مش ولا بد
اللى بتتعمل من القضاة فى الحارة المزنوقة!!، فلن تنفع أطنان الأبلج ولا
اللجلج فى محو آثار عدوان كشف الغطاء عن الحارة المزنوقة. شنفوا آذانكم
ومتعوا عيونكم بسماع وقراءة خطب سعد زغلول وتحف عبارات مكرم عبيد التى من
فرط جمالها جمعت فى كتاب أطلق عليه «المكرميات»، انظروا إلى نحت الكلمات
عند سعد زغلول فى أقواله التى خلدها التاريخ مثل: «الحق فوق القوة والأمة
فوق الحكومة»، «نريد للشعب أن ينظر إلى الحكومة نظرة الجند للقائد لا نظرة
الطير للصائد»، «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، «شرف لا أدعيه وتهمة لا
أنفيها». ومكرم عبيد الذى قال «إن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش
فينا» و«اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن
أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين». فى النهاية ليس لدى
المصريين وليس لدىّ أنا شخصياً أى مانع سيدى الرئيس فى أن تمارس هوايتك فى
الخطابة ولكن بشرط أن تكون خطابة بجد.
تعليقات