سعد الدين الهلالي يكتب :الدستور الأبلج واللجلج

سعد الدين الهلالي يكتب :الدستور الأبلج واللجلج

الأبلج يعنى الواضح الناصع، ودائماً يكون وصفاً للحق. أما اللجلج فيعنى الغامض اللئيم، ودائماً يكون وصفاً للباطل.

وكان أول من قال «الحق أبلج والباطل لجلج» هو أكثم بن صيفى التميمى الملقب بـ«حكيم العرب»؛ لأنه صاحب إنشاء عشرات الجمل التى تدوى فى المجتمع العربى بصفتها حكمة ومثلاً، وقد يظنها البعض حديثاً نبوياً وما هى بحديث، كما يظنها البعض أثراً مروياً عن أحد الصحابة أو التابعين، وما هى بأثر. فأكثم هذا وُلد فى الجاهلية وأدرك مبعث النبى، صلى الله عليه وسلم، ولم يُسلم، وكان يوصى قومه ويأمرهم بالإسلام بعد أن كان قد كتب إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، يسأله عن الإسلام؟ فجاء فى جوابه، صلى الله عليه وسلم، قول الله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى» (النحل: 90). ومات أكثم بالبادية سنة (9هـ - 630م) وقد بلغ من العمر مائة وتسعين سنة. وقيل: إنه قصد المدينة فى مائة من قومه يريدون الإسلام، فمات فى الطريق، ولم يرَ النبى، صلى الله عليه وسلم، وأسلم من بلغ المدينة من أصحابه، وهو المعنى بقوله تعالى: «ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله» (النساء: 100). وكان ابن أخيه حنظلة بن الربيع بن صيفى من كُتّاب الوحى، ومات فى أيام معاوية ولا عقب له.

المهم أن أكثم مات وترك لنا حكمة تدوى إلى يوم القيامة ويرددها الكثيرون بأن «الحق أبلج والباطل لجلج».

وتطبيقاً لهذه الحكمة العربية والقاعدة المنطقية العقلية على استفتاء المصريين على مسودة الدستور، فإننا نرى النتيجة صادمة للحكمة، لأنها خليط من الأبلج واللجلج بحسب نوعى القراءة الشكلية والموضوعية.

أما القراءة الشكلية لنتيجة الاستفتاء فتقول: إنها أبلج بنسبة 64% «نعم» إلى 36% «لا». وهذا كافٍ للوضوح والأبلجة.

وأما القراءة الموضوعية لنتيجة الاستفتاء فتقول: إنها لجلج لأن من له حق التصويت 51 مليون ناخب شارك منهم 16٫8 مليون ناخب فقط بنسبة 32٫7%، منهم عشرة ملايين قالوا «نعم» والباقون قالوا «لا». وامتنع 34٫6 مليون ناخب عن الإدلاء بالتصويت بنسبة 67٫3%. والامتناع فى حكم الأصل مجهول الهوية للقاعدة الفقهية «لا يُنسب لساكت قول» إلا أن الامتناع فى موطن الاحتياج بـ«نعم» أو «لا» يدل على المقاطعة والرفض بخلاف الامتناع فى موطن الارتياح بـ«نعم» فقط، فإنه يدل على الرضا؛ لما أخرجه البخارى عن عائشة ومسلم عن ابن عباس أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال عن البكر: «رضاها صمتها».

وإذا تبين أن نتيجة الاستفتاء شكلياً أبلج وموضوعياً لجلج، فقد ثبت عجز وقصور مقولة أكثم حكيم العرب، لأنه لم يبين الحل فى المسائل التى تجمع بين الأبلج واللجلج.

ولأن الإسلام هو الحل، فقد أتى بالبيان الواجب اتباعه فى مثل تلك الأحوال التى عجز الحكماء عن حلها فيما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام».

تعليقات

المشاركات الشائعة